تخيل عزيزي القارئ أنك في وسط متاهة وتواجه أمامك عدة مسارات متشعِّبة وفي نهاية أحد هذه المسارات يوجد المخرج، ماذا كنت لتفعل؟، ستقول لي أنك ستحاول تجربة أحد المسارات وستحتاج بعض الوقت للتحقق من كل هذه المسارات إلى غاية ما تصل للمخرج وبتالي يمكنك تحديد المسار الصحيح.

الكمبيوتر الكمي

الأكيد ومع اتخاذك لهذا القرار يتعين عليك بذل جهد ووقت كبيرين، لكن ماذا لو قلت لك أنه بإمكانك السير والتحقق من جميع هذه المسارات في آن واحد، وهذا ما سيجعل الأمر أسرع وأسهل.

وهذا ببساطة ما يميز الكمبيوتر الكمي عن الكمبيوتر العادي والذي تملكه الآن، وفي هذا المقال سنشرح بشكل مفصل عن ماهية الكمبيوتر الكمي؟ وفي ماذا يختلف عن الكمبيوتر العادي؟ وأيضًا سنتطرق إلى تاريخ نشأته وقصة تطوره مع مرور الوقت والأكيد سنذكر مكوناته وأهم استخداماته ومزاياه.

ما هو الكمبيوتر الكمي؟

هو كأي جهاز حاسوب يقوم بمعالجة المعلومات والبيانات لكن ما يميز الكمبيوتر الكمي هو اعتماده على مبادئ ميكانيك الكم للقيام بمعالجة المعلومات، وهذا مايخلق طفرة في تكنولوجيا الحاسوب والمعلوماتية، ومن بين أهم الظواهر التي يعتمد عليها الحاسوب الكمي، لدينى حالة التراكب الكمي و التشابك الكمي والتي سنتعمق في شرحها في ما بعد.

ماهو الكمبيوتر الكمي؟

ومع الشرح المفصل الذي ستجده في هذا المقال ستدرك التقدم التكنولوجي الذي سنصل إليه في حال اعتمدنا على الحوسبة الكمومية، وكم المزايا والحدود التي يمكن أن نتخطاها وستكوّن لك فكرة عن مستقبل الحوسبة وتكنولوجيا المعلومات المستقبلية.

ماهو الفرق بين الحاسوب العادي والكمبيوتر الكمي؟

الأكيد أنك تعلم عن كيفية عمل الحاسوب العادي، والذي يعتمد في الأساس على فكرة التسلسل في معالجة المعلومات ويعتمد بذلك على ما يسمى بالـ Bit الصفر والواحد، ولإعطاء قيمة الـ واحد والصفر للكمبيوتر نستعين بـ الترانزيستور والذي يعتمد على تغيرات التيار الكهربائي.

حاسوب عادي ضد كمبيوتر كمي

أما في المقابل فالكمبيوتر الكمي وكما قلنا فهو يعتمد على ظواهر ميكانيك الكم والمميز في الكمبيوتر الكمي هي الآنية في معالجة البيانات، والكمبيوتر الكمي يستعمل بما يسمى بـ الكيوبت الصفر و الواحد و مزيج بينهما “superposition”، وبذلك فهو يستعين بمكونات فيزيائية مثل الذرات او الفوتونات كأدوات للمعالجة.

والنقطة الأهم يتميز الكمبيوتر الكمي بالسرعة الفائقة في معالجة البيانات وعرضها، على عكس الحاسوب العادي والذي يقوم بمعالجة المعلومات بشكل تسلسلي وبطيئ للغاية، وهذا مايضع حدود بيننا وبين الحصول على أقصى استفادة من التكنولوجيا من حولنا.

وإذا كنت تريد أن تعرف الحواجز التي يمكن أن نكسرها في حال استعنا بالكمبيوتر الكمي وتوقفنا من استخدام الحواسيب العادية فإليك مايلي:

1-اكتشاف الكواكب البعيدة: ستكون أجهزة الكمبيوتر الكمي قادرة على تحليل الكمية الهائلة من البيانات التي تم جمعها بواسطة التلسكوبات والبحث عن الكواكب الشبيهة بالأرض -تخيل-.

2-الكشف عن السرطان في وقت مبكر: سوف تساعد النماذج الحسابية في تحديد كيفية تطور الأمراض وبالتالي يمكننا التطوير من معرفتنا الطبية حول الأمراض.

3-تطوير أدوية وطرق علاجية أكثر فعالية: من خلال رسم خرائط للأحماض الأمينية ، على سبيل المثال ، أو تحليل بيانات تسلسل الحمض النووي، سيكتشف الأطباء ويصممون علاجات دوائية فائقة وأكثر فاعلية.

4-التنبؤ الدقيق للطقس: نعم سنتمكن من تحديد الطقس في الزمن المستقبل بشكل أكثر دقة، وهذا ما سيمنع الكثير من الكوارث البشرية.

5-تعزيز الناتج المحلي الإجمالي: على سبيل المثال ستعمل الإعلانات شديدة التخصيص المبنية على خوارزميات دقيقة وهذا بفضل الكمبيوتر الكمي ويساعد هذا على تحفيز الإنفاق الاستهلاكي وقس على ذلك في كل المجالات الإقتصادية.

وهناك الكثير من الحدود التي يمكن أن نكسرها في حال استغنينا عن الحواسيب العادية واستعملنا الكمبيوتر الكمي.

أول ظهور للكمبيوتر الكمي:

بدأت فكرة تطوير وصناعة كمبيوتر كمي من قبل علماء الفيزياء، بعد أن وصل مهندسو الكمبيوتر إلى فكرة إستحالة صناعة كمبيوتر فائق من خلال تقليل حجم الترانزستور وتزويد أعدادها في المعالجات العادية، لذلك فكر علماء الفيزياء في إمكانية الاستعانة بقوانين الفيزياء الكمومية الدقيقة في تطوير وصناعة المعالجات.

أول ظهور للكمبيوتر الكمي

وبدأت هذه الفكرة من خلال التساؤل الذي طرحه العالم ريتشارد فاينمان في عام 1981 في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حين قدم التساؤل التالي: لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية محاكاة تطور الأنظمة الكمومية بطريقة فعالة. وهكذا ، اقترح نموذجًا أساسيًا لجهاز كمبيوتر كمي قادر على إجراء مثل هذه المحاكاة.

تخيل وبعد مرور 10 سنوات تقريبا وفي عام 1994 طور بيتر شور خوارزمية تسمح لأجهزة الكمبيوتر الكمومية بالتحليل الفعال للأعداد الصحيحة بشكل أسرع، وتمكننا هذه الخوارزمية من حساب وإجراء عمليات في غضون ساعات بدل قضاء سنين طويلة من خلال خوارزميات الكمبيوتر العادي.

وفي عام 1998 تم بناء جهاز كمبيوتر كمي يعمل بـ 2 كيوبت وحل أول خوارزميات كم، مثل خوارزمية جروفر التي قام بوضعها عام 1996، وبالتالي يمكن أن نقول أن هذا هو أول كمبيوتر كمي يظهر للعالم .

بعد مرور عشرين عامًا وتحديدا في سنة 2017 قدمت شركة IBM أول كمبيوتر كمي قابل للاستخدام تجاريًا، بعد إطلاقها مشروع IBM Q Experience في عام 2016.

وفي عام 2019 قدمت شركة Google أول كمبيوتر كمي من تطويرها وأطلقت عليه إسم Sycamore ويحمل فقط 53 Qubits، وأعلنت أن الكمبيوتر الكمي هذا بإمكانه حل مسألة فائقة التعقيد في 200 ثانية فقط، وستحتاج من الكمبيوتر العادية 10 آلاف سنة لحلها، وقامة Microsoft أيضًا بأطلاق لغة البرمجة الأشهر #Q والتي بإمكانك من خلالها برمجة الكمبيوترات الكمومية.

وفي الوقت الحالي تقوم أكثر من 100 مجموعة أكاديمية ومختبرات تابعة للحكومة في جميع أنحاء العالم بالبحث في كيفية تصميم أنظمة كيوبت وبنائها والتحكم فيها، ويمكن أن نلخص ما يحدث في تاريخ الكوانتم كمبيوتر بأنه مماثل لما كان يحدث مع بداية تطوير الكمبيوتر الكلاسيكي وكأن التاريخ يعيد نفسه.

ماهي الأقسام المكونة للكمبيوتر الكمي؟

هناك طرق مختلفة لمعالجة الجسيمات الكمومية وهذا ما يتحكم في اختلاف هندسة الكمبيوتر الكمي لكن دعنا نلخص أهم الأجزاء الرئيسية المكونة للكمبيوتر الكمي:

  • جزء يحتوي على كيوبِتات وهذا هو الجزء الذي نستعين فيه بظواهر ميكانيك الكم وأهمهم التراكب الكمي والتشابك الكمي واللذان ستجد شرحهما في الأسفل، ويتم الإحتفاظ بهذا الجزء في درجة حرارة جد منخفضة للتحكم في حركة الجسيمات.
  • جزء ينقل الإشارات إلى الكيوبِتات يمكن أن نقول أن هذا هو الجزء المتحكم ويستخدم الموجات الدقيقة والليزر والجهد لإرسال هذه الإشارات، ويتم الاحتفاظ بهذا الجزء في حجرة مفرغة تقلل الاهتزازات وتساعد على موازنة الكيوبتات.
  • جهاز كمبيوتر كلاسيكي مزود بخوارزميات محددة يمكنه تشغيل البرامج وإعطاء التعليمات وهذا ما يسمح لنا بإجراء الأنشطة المكتبية وإعطاء الأوامر.

كما ذكرنا سابقًا، هناك طرق مختلفة لمعالجة الجسيمات الكمومية في بعض أجهزة الكمبيوتر الكمومية، لكن الأهم من ذلك يتم الاحتفاظ بالجزء الأول والثاني في درجة حرارة متجمدة وخلق غرفة مغلقة لتعزيز تماسك الجزيئات.

ظواهر فيزيائية تحدث في الكمبيوتر الكمي؟

1- التراكب الكمي:
تعتمد أجهزة الكمبيوتر الكمومية على التراكب الكمومي في معالجة المعلومات، بحيث يسمح التراكب للكائنات الكمومية بالتواجد في وقت واحد في أكثر من حالة أو موقع واحد ، وهذا ما سيمكننا من تجربة احتمالات عدة في آن واحد، وهذا ما لا يمكن ان تصل إليه الكمبيوترات الكلاسيكية الفائقة.

2- التشابك الكمي:
يسمح التشابك الكمومي بتشابك اثنين أو أكثر من الجسيمات الكمومية، هذا يعني أن كل الجسيمات الكمومية داخل هذا التشابك توصف كنظام واحد، يمنح التشابك الكمومي قوة حوسبية أكبر للكيوبِت وقدرة عالية على معالجة البيانات المعقدة، لأنه يضيف المزيد من الكيوبِتات إلى النظام.

3- التداخل الكمي:
وهذا باختصار هو نتيجة عكسية لظاهرة التراكب الكمي، ويسمح لنا بإظهار النتيجة المرغوبة سواءً 1 أو 0 أو 0 و 1، عن طريق التأثير عليها، أي أن التداخل الكمي يسمح بالتأثير على حالة الكيوبت للتأثير على احتمالية النتيجة المرجوة.

4 – فك الترابط الكمي:
فك الترابط الكمي في الكمبيوترات الكمية تمثل حالة القياس، أي عندما نحاول مراقبة أو قياس الجسيمات الكمومية وهذا مايسبب حالة فك الترابط الكمي، ويؤدي فك الترابط الكمي إلى أخطاء في الأنظمة الحسابية الكمومية.

في ماذا يمكن أن نستعمل الكمبيوترات الكمية؟

هناك عدة مجالات واقعية يمكننا أن نستغل فيها تفوق الكمبيوترات الكمية، لكن بما أن الطريق طويل ولا يمكننا إلى أن نتخيل كيف سيبدو العالم في عصر الكوانتم كمبيوتر، إليك أهم المجالات الواقعية التي يمكن أن نستعمل فيها الكمبيوتر الكمي:

1-الأمن وتشفير البيانات:
السرعة الفائقة للكمبيوترات الكمية في معالجة المعلومات تمكننا من كسر مفاتيح التشفير التقليدية، والتي تعد حاليًا معقدة للغاية بحيث يتعذر على أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية اختراقها.

2-تعزيز البحث العلمي:
سوف تساعد الخوارزميات الكمومية في تسريع إعطاء الحلول لعمليات البحث، مما يفتح مجال واسع للعلماء للبحث والتعمق ووضع النظريات العلمية من دون أي حدود على المستوى التقني.

3-محاكاة الظواهر الفيزيائية:
من خلال الكمبيوترات الكمية سنتمكن من محاكاة الظواهر المشكل لواقعنا مثل ميكانيك الكم المجرات والكواكب ولا ننسى الجزيئات الصغيرة مثل تركيب النواة والذرات والعديد من العوالم التي يمكن أن نصنعها من خلال إستغلال بالكمبيوتر الكمي.

4-الذكاء الاصطناعي:
ستساعد الكمبيوترات الكمية في إثراء وتعزيز عالم الذكاء الاصطناعي، من خلال معالجة كميات كبيرة جدًا من البيانات لمساعدتنا على اتخاذ قرارات وتوقعات أكثر جدية في عالم الذكاء الاصطناعي.

5-الطب والرعاية الصحية:
يمكن أن تساعد الكمبيوترات الكمية في تحسين البنية التحتية والأجهزة الطبية، مثل المساعدة التشخيصية والتصوير والطب الدقيق وهذا ما سيقلل من التسعير.

في الختام.. قد يبدو واقع الكمبيوترات الكمية بعيدًا عن زماننا هذا، ونحن الأن في المراحل الاولى لتشكيل مستقبل الكمبيوترات الكمومية، وهذا يعني أن هناك الكثير لننجزه. كل هذا يؤكد ويشير إلى أن مستقبل البشر يحمل امكانيات رهيبة، والكمبيوترات الكمية ستشكل ثورة في عصر التكنولوجيا والاختراعات.

———–

حرر من طرف: سليم المدون